رسالة مفتوحة الى الرئيس جيمي كارتر
15 ابريل 2010
15 ابريل 2010
السيد الرئيس كارتر
نشعر بالأسف ونحن نجد أنفسنا مضطرين لكتابة هذه الرسالة إليكم عشية انتهاء عملية الإقتراع في عملية "الانتخابات"، وذلك قبل ثلاثة ايام من الاعلان المتوقع بفوز حزب المؤتمر الوطني الحاكم ورئيسه المطلوب جنائياً.
نكتب لكم مرة أخرى مطالبين بسحب بعثتكم لمراقبة الإنتخابات في السودان إنقاذاً لسمعتكم الشخصية ولسمعة مركز كارتر والمبادئ التي يستند عليها قبيل إعلان النتائج. إن بعثتكم، بعثة مركز كارتر، لمراقبة الإنتخابات في السودان تستند على إعلان المبادئ الخاص بالمراقبة الدولية وميثاق شرف المراقبين الدوليين للإنتخابات، والذي يعرف العملية الإنتخابية الديمقراطية بانها " تعبير عن السيادة التي يمتلكها شعب دولة ما، تعبيراً حرأً عنهم في منح السلطة والمشروعية للحكومة... إن حق المواطنين في الإقتراع وفي ترشيح أنفسهم ليتم إنتخابهم في عملية إنتخابية ديمقراطية دورية حقيقية يتعبر من حقوق الإنسان المعترف بها عالمياً".
نكتب لك هذه الرسالة السيد الرئيس كارتر ونتوقع أن تكون ملماً بمئات التقارير الصادرة خلال أيام الإقتراع الخمس عن الإنتهاكات الجسيمة التي طالت حق المواطنين(ات) في التصويت الحر، وهي التقارير المؤثقة من مصادر سودانية، بما فيها وسائل الإعلام، وممثليّ الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المستقلة. ونشير هنا أن هذه الانتخابات جاءت مليئة بالمخالفات الجسيمة والتزوير خلال فترة الإقتراع، مثل عدم غياب أسماء مرشحين(ات) من بطاقات الاقتراع، وتزوير في سجل الناخبين(ات) بما فيها تضمين مئتان من الموتي ضمن السجل، وإستخدام أنواع من حبر تأكيد الإقتراع يمكن إزالتها بسهولة، إضافة للإنتهاكات المباشرة ذات الطابع العنيف مثل كسر وحرق لصناديق الإقتراع، والإعتداء بالضرب على المرشحيين ووكلائهم وعلى الناخبين، وقسر البعض على التصويت لمرشح محدد، والتهديد والهجوم على المراقبين المحليين، والمحاكمات الإيجازية ضد عدد من المواطنين في الخرطوم، وأخر مثال لهذه للتجاوزات توجيه الإتهام للصحافي البارز وأحد الأعضاء المؤسسين لمجموعة الديمقراطية أولاً، الأستاذ الحاج وراق، بالإساءة للدولة ومؤسساتها إثر البلاغ المفتوح ضده من قبل جهاز الأمن بسبب مقال له نشر في 6 ابريل دعا فيه الى مقاطعة الانتخابات.
قد يكون بسبب الحواجز اللغوية والثقافية انك لم تتمكن من الإلمام وإستيعاب الأحداث والتقارير العديدة حول الإنتهاكات الكبيرة لعملية الإقتراع، لكن ما أدهشنا وزاد من خيبة أملنا تصريحاتكم المستمرة منذ وصولكم للسودان وبالقدر الذي تتناقض فيه تماماً مع الأحداث ووقائع أيام الإقتراع الخمس، وبالقدر الذي جعل تصريحاتكم ترديداً مباشراً لما يصرح به قيادات حزب المؤتمر الوطني ومسؤولين مفوضية الإنتخابات. في حقيقة الأمر إن تصريحاتكم للإعلام تأتي متناقضة مع سياسة مركز كارتر الخاصة بعدم الإدلاء بتصريحات عامة خلال عملية التصويت، وبما يعني أنك ترى أنه من الضروري أن تستمر في التصريح إلى وسائل الإعلام غض النظر عن تناقض ذلك مع سياسات مركزكم، ومثال لذلك تصريحكم لوكالة الفرنسية بأن تقارير إشكاليات عملية الإقتراع تمثل "مشاكل ادارية" فقط وانه "لا يوجد دليل على تزوير الإنتخابات حتى الأن".
إن تصريحاتك، السيد الرئيس كارتر، ليست فقط تتجاهل بصورة كاملة الحقائق والوقائع خلال أيام الإقتراع، ولكنها تضع ايضا جهود موظفيّ مركزكم تحت التساؤل حول المراقبة النزيهة للإنتخابات ومن ثم إعداد تقارير دقيقة ومؤثقة حولها.
السيد الرئيس جيمي كارتر، إن مقاطعة الإنتخابات من قبل غالبية السودانيين، بدعوة القوى السياسية الرئيسية، قد مثل عنصر مهماً في منع إندلاع العنف الإنتخابي وساهم في الحفاظ على الاستقرار الإجتماعي الهش. ولك أن تتخيل السيد الرئيس كارتر ردة فعل الملايين من السودانيين ممن قاطعوا هذه الإنتخابات كيف كانوا سيواجهون المخالفات الجسيمة والتزوير الفاضح خلال أيام الاقتراع الخمسة. إننا نرى انه عليك، الرئيس كارتر، أن تشكر هؤلاء الذين قاطعوا هذه الإنتخابات لحفظهم لإرواح عدد كبير من السودانين كان يمكن دخولهم في مواجهات دموية واسعة.
إننا في مجموعة الديمقراطية أولاً نعتقد أن عملية الإقتراع المنتهية اليوم لم تمثل ببساطة سوى المرحلة الثانية لعملية التزوير التي أعدت ونفذ معظمها جيداً قبل فتح مراكز الإقتراع. إن متطلبات مرحلة ما قبل الإقتراع لإضفاء الشرعية لفوز المؤتمر الوطني ورئيسه قد تمت بالفعل قبل بداية التصويت في 11 ابريل المنصرم. وقد فصلنا في بياننا السابق إجراءات التزوير هذه، والتي شملت " الإحصاء السكاني المزيف، وتسليط القوانين المقيدة للحريات والمنتهكة للدستور، وترسيم الدوائر الجغرافية بما يناسب مقاس المؤتمر الوطني، وتسجيل للناخبين(ات) بما يساوي نسب الفوز المطلوبة، وإستغلال لموارد الدولة وإحتكارها بما فيها الإعلام، ووإستخدام أساليب وممارسات فاسدة وبزخية خلال الحملات الإنتخابية".
لقد قام مركزكم، السيد الرئيس جيمي كارتر، بتوثيق إنتهاكات فترة ما قبل الإقتراع هذه في تقاريركم المختلفة أخرها الصادر في 17 مارس. وفي الواقع إن تقييم وتقارير مركز كارتر لمراقبة الإنتخابات مثلت إحدى المرجعيات الرئيسية التي بنت عليها الأحزاب السياسية الرئيسية في السودان قرار مقاطعتها للإنتخابات. كما إنكم تدركون أن المركز ذاته ظل مستهدفاً بالهجوم والترهيب لموظفيه، سواء عبر المضايقات والإعتقال والإستجواب بل والطرد من السودان. نجد أنفسنا في حيرة تامة على ضوء هذه الحقائق لفهم تصريحاتكم التي لا تتناقض فقط مع شهادات المواطنين السودانيين والقوى السياسية الرئيسية في السودان، بل وتتناقض مع تقييم وتوثيق وخبرة موظفيّ مركزكم. وقد نفهم إحتمالات تناولكم للقضايا الخاصة بسير العملية الإنتخابية في الإجتماعات الثنائية المغلقة مع الحكومة السودانية، إلا اننا نجد أن تصريحاتكم للرأي العام حول سير الإنتخابات- وغضكم للطرف عما تعرض له مركزكم- قد أضاف مزيداً من التخوفات وسط المواطنين السودانيين. فإذا ما كان التهديد والهجوم على مركز كارتر لا ينتج سوى الصمت والخضوع للمؤتمر الوطني كما هو بائن، فكيف يتمكن المرقبين المحليين أن يكونوا أكثر شجاعة؟
أما عن دارفور السيد الرئيس جيمي كارتر، فبعد صدور مذكرة التوقيف بحق الرئيس عمر البشير لم يقوى المجتمع الدولي على مواجهة التهديدات والهجوم العنيف من قبل حزب المؤتمر الوطني على المجتمع الدولي وعلى المجتمع المدني السوداني. ذلكم العنف والتهديد أدخل أقليم دارفور في حالة شلل كامل وأوجد مناخ من الرعب والخوف حتى الان. ها هو الأن مرة أخرى وفي سياق عملية الانتخابات هذه تمارس حلقات التهديدات والهجوم ضد المجتمع الدولي، هذه المرة ضد مراقبي الانتخابات وضد مركز كارتر بصورة مباشرة، وانتم لا تبدون حتي إحتجاجاً عاما كشأن تصريحاتكم الأخرى، دعك عن إنسحابكم ورفضكم منح الشرعية لهكذا إنتخابات. إن الشعب السوداني يتابع مرة أخرى كيف يتخلى المجتمع الدولي عن دعم حقوق المواطنين المدنية والسياسية ويقايض مستقبل الديمقراطية في السودان بهيمنة المؤتمر الوطني الموبوءة. لقد فشل المجتمع الدولي بالفعل عندما ضحى بالعدالة في دارفور مقابل لسلام وهمي، ولم تتحقق كليهما. والأن على المجتمع الدولي أن يتعلم من هذه الإنتخابات أن السلام والديمقراطية مترابطان يعتمدان على بعضهما البعض ، وليس هنالك مجال لمزيد الفشل المكلف لحياة المواطنين.
نقول ذلك ونحن نلاحظ بالتقدير موقف بعثة الإتحاد الأوربي للمراقبة بالإنسحاب من دارفور، في الوقت الذي واصلت فيه بعثة مركز كارتر المراقبة. يبدو واضحاً السيد الرئيس جيمي كارتر ان اعتمادكم على تقييم البعثة المختلطة عديمة الخبرة بدارفور حول مراقبة للإنتخابات هنالك لم يكن مفيداً. فكما تعلم انه تم إختطاف أفراد البعثة نفسها في الأيام الفائته تعبيراً عن رفض الانتخابات بالإقليم. هل كان السيد قمباري رئيس البعثة المختلطة هو السلطة المناسبة لإعطاء بعثتكم الضوء الأخضر لنشر ومراقبة الانتخابات في منطقة حرب مثل دارفور؟ لقد أجمع كافة الفاعليين الرئيسيين في دارفور، بما فيهم النازحون، الحركات المسلحة، المجتمع المدني الدارفوري، الأحزاب السياسية الرئيسية، أجمعوا ان الإنتخابات في دارفور مستحيلة، ليس فقط من حيث العمليات الإجرائية للإقتراع بل ايضاً من حيث نزاهتها وملاءمتها الأن. إن مراقبة مركز كارتر للإقتراع في دارفور يضيف الى الوضع السياسي والأمني الممزق أصلاً في الإقليم. وإننا نأسف أن نرى موقفكم بان يراقب المركز الإنتخابات في دارفور في ظل هذه الخلفية، الأمر الذي يجعلنا نضيف للتسأولات التي أثيرت حول تصريحاتكم في العام 2007 حول درجة الإنتهاكات في ذلك الإقليم، مما أعتبره الكثير دعماً للآلة الإعلامية للمؤتمر الوطني حينها.
إننا في المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً، وكتحالف للمجتمع المدني السوداني بتمثيله الواسع للمجتمعات، المزارعين، العمال، النازحين والنشطاء الديمقراطيين، نقدر أدوار المجتمع الدولي في المناصرة والدعم المقدم لبلدنا السودان، ملتزمون في الوقت نفسه بمبادئ وقواعد المواثيق الدولية ومؤسساتها. وفي الوقت نفسه نعرف كيف نقف ونرفض علناً أي توجهات تعبر عن الوصاية والإستعمار الجديد ضد إرادة شعوب السودان. السيد الرئيس جيمي كارتر، نخاطبك بهذه الرسالة وأنت منحدر من بلد ذات إرث ديمقراطي متقدم من حيث المبادئ والممارسة، ونتوقع منك أن تراقب وتحترم حق الإنسان، أينما هو، وغض النظر عن ثروته أو لونه أو موقعه الجغراقي بأن يمارس إرادته السياسية بأمان وحرية ونزاهة. وهذه هي القيمة الوحيدة التي يعنيها السلام والإستقرار.
لقد إصبنا بخيبة أمل عميقة، السيد الرئيس جيمي كارتر، وأنت أحد قادة الديمقراطية في بلدك وصاحب موقف مستقل كمراقب إنتخابي، شعرنا بخيبة أمل ونحن نرى مشاركتك وتصريحاتك في هذه الإنتخابات تبدو ضمن جوقة الغزو الدولي والإقليمي من التيار المحافظ وذلك في ممارسة الضغوط على القوى السياسية السودانية الرئيسية لكي لا تقاطع الانتخابات، زاعمين إن في ذلك حماية لإتفاق السلام. أن المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً والعديد من مجموعات المناصرة قدموا التقارير والتحليلات لمواجهة الجهود التي ينسقها أو تنسجم مع أدوار المبعوث الامريكي الخاص الى السودان، سكوت غريشن، في حرصهم على قيام هذه الإنتخابات، وبمشاركة قادة إقليميين مثل الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثامبو إمبيكي، وجامعة الدول العربية، وبعض الدول العربية والإفريقية منفردة، إضافة للمنظمات غير الحكومية الموالية لحكوماتها. لقد ذكرنا في بياننا السابق في سياق مواجهة مثل هذه التوجهات والضغوط" إن حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان يجب حمايته وتنفيذه في موعده، بدعم من المجتمع الدولي، دون أي تسوية أو رهنه بعملية إنتخابية فاسدة وتهديد من شريك ظل همه منذ توقيع إتفاق السلام الشامل تحطيم الإتفاقية نفسها".
إن مشاركة بعثة كارتر في مراقبة إنتخابات السودان بتعقيداتها الحالية ونتائجها ترفع من مستوى التساؤلات حول هذه الإنتخابات، خاصة وأنها ستعمل فقط على إعادة إنتاج نظام حكم له خبرة عقدين من ممارسة القمع والعنف، وبما يضع مستقبل السلام والإستقرار والديمقراطية في السودان في موقف حرج.
نطلب منكم، السيد الرئيس جيمي كارتر مرة أخرى، إعادة النظر في موقفكم وموقف مركزكم بعناية شديدة، وسحب بعثة مراقبة الإنتخابات قبل الإعلان عن نتائجها المعروفة سلفاً.
تفضلوا بقبول فائق الاحترام،
المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً